فصل: تفسير الآيات (94- 99):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (90- 93):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (90) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ (92) لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآَمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (93)}
قوله: {ياأيها الذين آمَنُواْ} خطاب لجميع المؤمنين.
وقد تقدم تفسير الميسر في سورة البقرة {والأنصاب} هي: الأصنام المنصوبة للعبادة، {والأزلام}. قد تقدّم تفسيرها في أوّل هذه السورة، والرجس يطلق على العذرة والأقذار، وهو خبر للخمر، وخبر المعطوف عليه محذوف. وقوله: {مِنْ عَمَلِ الشيطان} صفة لرجس: أي كائن من عمل الشيطان، بسبب تحسينه لذلك وتزيينه له. وقيل: هو الذي كان عمل هذه الأمور بنفسه فاقتدى به بنو آدم والضمير في {فاجتنبوه} راجع إلى الرجس أو إلى المذكور.
وقوله: {لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} علة لما قبله. قال في الكشاف: أكد تحريم الخمر والميسر وجوهاً من التأكيد، منها تصدير الجملة بإنما، ومنها أنه قرنهما بعبادة الأصنام ومنه قوله صلى الله عليه وسلم: «شارب الخمر كعابد الوثن»، ومنها أنه جعلهما رجساً، كما قال: {فاجتنبوا الرجس مِنَ الأوثان} [الحج: 30]، ومنها أنه جعلهما من عمل الشيطان، والشيطان لا يأتي منه إلا الشرّ البحت، ومنها أنه أمر بالاجتناب، ومنها أنه جعل الاجتناب من الفلاح، وإذا كان الاجتناب فلاحاً كان الارتكاب خيبة ومحقة، ومنها أنه ذكر ما ينتج منهما من الوبال، وهو وقوع التعادي والتباغض بين أصحاب الخمر والقمر، وما يؤديان إليه من الصدّ عن ذكر الله، وعن مراعاة أوقات الصلوات انتهى.
وفي هذه الآية دليل على تحريم الخمر لما تضمنه الأمر بالاجتناب من الوجوب وتحريم الصدّ، ولما تقرّر في الشريعة من تحريم قربان الرجس، فضلاً عن جعله شراباً يشرب. قال أهل العلم من المفسرين وغيرهم: كان تحريم الخمر بتدريج ونوازل كثيرة، لأنهم كانوا قد ألفوا شربها وحببها الشيطان إلى قلوبهم، فأوّل ما نزل في أمرها {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ ومنافع لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] فترك عند ذلك بعص من المسلمين شربها، ولم يتركه آخرون، ثم نزل قوله تعالى: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} [النساء: 43] فتركها البعض أيضاً، وقالوا لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها البعض في غير أوقات الصلاة، حتى نزلت هذه الآية: {إِنَّمَا الخمر والميسر} فصارت حراماً عليهم، حتى كان يقول بعضهم ما حرّم الله شيئاً أشدّ من الخمر، وذلك لما فهموه من التشديد فيما تضمنته هذه الآية من الزواجر، وفيما جاءت به الأحاديث الصحيحة من الوعيد لشاربها، وأنها من كبائر الذنوب.
وقد أجمع على ذلك المسلمون إجماعاً لا شك فيه ولا شبهة، وأجمعوا أيضاً على تحريم بيعها والانتفاع بها ما دامت خمراً، وكما دلت هذه الآية على تحريم الخمر، دلت أيضاً على تحريم الميسر، والأنصاب، والأزلام.
وقد أشارت هذه الآية إلى ما في الخمر والميسر من المفاسد الدنيوية بقوله: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشيطان أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العداوة والبغضاء} ومن المفاسد الدينية بقوله: {وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ الله وَعَنِ الصلاة}.
قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فيه زجر بليغ يفيده الاستفهام الدال على التقريع والتوبيخ. ولهذا قال عمر رضي الله عنه لما سمع هذا: انتهينا، ثم أكد الله سبحانه هذا التحريم بقوله: {وَأَطِيعُواْ الله وَأَطِيعُواْ الرسول واحذروا} أي مخالفتهما أي مخالفة الله ورسوله، فإن هذا وإن كان أمراً مطلقاً فالمجيء به في هذا الموضع يفيد ما ذكرناه من التأكيد، وهكذا ما أفاده بقوله: {فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فاعلموا أَنَّمَا على رَسُولِنَا البلاغ المبين} أي: إن أعرضتم عن الامتثال، فقد فعل الرسول ما هو الواجب عليه من البلاغ الذي فيه رشادكم وصلاحكم، ولم تضرّوا بالمخالفة إلا أنفسكم، وفي هذا من الزجر ما لا يقدر قدره ولا يبلغ مداه.
قوله: {لَيْسَ عَلَى الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} أي من المطاعم التي يشتهونها، والطعم وإن كان استعماله في الأكل أكثر لكنه يجوز استعماله في الشرب، ومنه قوله تعالى: {وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنّى} [البقرة: 249] أباح الله سبحانه لهم في هذه الآية جميع ما طعموا كائناً ما كان مقيداً بقوله: {إِذَا مَا اتقوا} أي اتقوا ما هو محرّم عليهم كالخمر وغيره من الكبائر، وجميع المعاصي {وَءامَنُواْ} بالله {وَعَمِلُواْ الصالحات} من الأعمال التي شرعها الله لهم: أي استمروا على عملها. قوله: {ثُمَّ اتَّقَواْ} عطف على اتقوا الأوّل، أي اتقوا ما حرّم عليهم بعد ذلك مع كونه كان مباحاً فيما سبق {وَءامَنُواْ} بتحريمه {ثُمَّ اتَّقَواْ} ما حرّم عليهم بعد التحريم المذكور قبله مما كان مباحاً من قبل {وَأَحْسِنُواْ} أي عملوا الأعمال الحسنة، هذا معنى الآية؛ وقيل: التكرير باعتبار الأوقات الثلاثة؛ وقيل: إن التكرير باعتبار المراتب الثلاث، المبدأ، والوسط، والمنتهى؛ وقيل: إن التكرار باعتبار ما يتقيه الإنسان، فإنه ينبغي له أن يترك المحرّمات توقياً من العذاب، والشبهات توقياً من الوقوع في الحرام، وبعض المباحات حفظاً للنفس عن الخسة؛ وقيل إنه لمجرّد التأكيد، كما في قوله تعالى: {كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ ثُمَّ كَلاَّ سَوْفَ تَعْلَمُونَ} [التكاثر: 3، 4]، هذه الوجوه كلها مع قطع النظر عن سبب نزول الآية إما مع النظر إلى سبب نزولها، وهو أنه لما نزل تحريم الخمر، قال قوم من الصحابة: كيف بمن مات منا وهو يشربها ويأكل الميسر؟ فنزلت، فقد قيل: إن المعنى {اتقوا} الشرك {وَءامَنُواْ} بالله ورسوله {ثُمَّ اتَّقَواْ} الكبائر {وَءامَنُواْ} أي ازدادوا إيماناً {ثُمَّ اتَّقَواْ} الصغائر {وَأَحْسِنُواْ} أي تنفلوا. قال ابن جرير الطبري: الاتقاء الأول: هو الاتقاء بتلقي أمر الله بالقبول والتصديق والدينونة به والعمل، والاتقاء الثاني: الاتقاء بالثبات على التصديق، والثالث: الاتقاء بالإحسان والتقرّب بالنوافل.
وقد أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه، والبيهقي في الشعب، عن ابن عمر قال: نزل في الخمر ثلاث آيات، فأول شيء: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الخمر والميسر} [البقرة: 219] الآية، فقيل: حرّمت الخمر، فقيل: يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله، فسكت عنهم، ثم نزلت هذه الآية: {لاَ تَقْرَبُواْ الصلاة وَأَنتُمْ سكارى} [النساء: 43]، فقيل: حرّمت الخمر، فقالوا: يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة، فسكت عنهم، ثم نزلت: {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر} الآية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حرّمت الخمر».
وأخرج أحمد عن أبي هريرة قال: حرّمت الخمر ثلاث مرات، وذكر نحو حديث ابن عمر، فقال الناس: يا رسول الله، ناس قتلوا في سبيل الله وماتوا على فراشهم كانوا يشربون الخمر ويأكلون الميسر، وقد جعله الله رجساً من عمل الشيطان، فأنزل الله: {لَيْسَ عَلَى الذين ءامَنُواْ} الآية، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لو حرّم عليهم لتركوه كما تركتم».
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والنحاس في ناسخه، وأبو الشيخ، وابن مردويه، عن سعد بن أبي وقاص قال: فيّ نزل تحريم الخمر، صنع رجل من الأنصار طعاماً، فدعا ناساً، فأتوه، فأكلوا وشربوا، حتى انتشوا من الخمر، وذلك قبل تحريم الخمر فتفاخروا، فقالت الأنصار: الأنصار خير من المهاجرين، وقالت قريش: قريش خير، فأهوى رجل بلحى جمل فضرب على أنفي، فأتيت النبيّ صلى الله عليه وسلم فذكرت ذلك له، فنزلت هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر} الآية.
وأخرج عبد بن حميد، والنسائي، وابن جرير، وابن المنذر، والطبراني، وأبو الشيخ، والحاكم وصححه، وابن مردويه، والبيهقي عن ابن عباس قال: أنزل تحريم الخمر في قبيلتين من الأنصار شربوا، فلما أن ثمل القوم عبث بعضهم ببعض، فلما أن صحوا جعل يرى الرجل منهم الأثر بوجهه وبرأسه ولحيته، فيقول صنع بي هذا أخي فلان وكانوا إخوة ليس في قلوبهم ضغائن، والله لو كان بي رؤوفاً رحيماً ما صنع بي هذا حتى وقعت الضغائن في قلوبهم، فأنزل الله هذه الآية: {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} فقال ناس من المتكلفين: هي رجس، وهي في بطن فلان قتل يوم بدر، وفلان قتل يوم أحد؟ فأنزل الله هذه الآية: {لَيْسَ عَلَى الذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ} الآية.
وقد رويت في سبب النزول روايات كثيرة موافقة لما قد ذكرناه.
وأخرج عبد بن حميد عن قتادة قال: الميسر هو القمار كله.
وأخرج ابن مردويه، عن وهب بن كيسان قال: قلت لجابر متى حرّمت الخمر؟ قال: بعد أحد.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، عن قتادة قال: نزل تحريم الخمر في سورة المائدة، بعد غزوة الأحزاب.
وأخرج عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني، وأبو الشيخ، عن ابن عباس قال: كل القمار من الميسر حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن المنذر، عن عليّ بن أبي طالب قال: النرد والشطرنج من الميسر.
وأخرج عبد بن حميد عن عليّ قال: الشطرنج ميسر الأعاجم.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن القاسم بن محمد، أنه سئل عن النرد أهي من الميسر؟ قال: كل من ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو ميسر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا في ذمّ الملاهي، والبيهقي في الشعب، عنه أيضاً أنه قيل له: هذه النرد تكرهونها فما بال الشطرنج؟ قال: كل ما ألهى عن ذكر الله وعن الصلاة فهو من الميسر.
وأخرجوا أيضاً عن ابن الزبير قال: يا أهل مكة بلغني عن رجال يلعبون بلعبة يقال لها النردشير، والله يقول في كتابه: {يَاأَيُّهَا الذين آمَنُواْ إِنَّمَا الخمر والميسر} إلى قوله: {فَهَلْ أَنْتُمْ مُّنتَهُونَ} وإني أحلف بالله لا أوتى بأحد يلعب بها إلا عاقبته في شعره وبشره، وأعطيت سلبه من أتاني به.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن مالك بن أنس قال: الشطرنج من النرد، بلغنا عن ابن عباس أنه ولي مال يتيم فأحرقها.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن عبد الله بن عمير قال: سئل ابن عمر عن الشطرنج؟ فقال هي شرّ من النرد.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن عبد الملك بن عبيد قال: رأى رجل من أهل الشام أنه يغفر لكل مؤمن في كل يوم اثنتي عشرة مرّة إلا أصحاب الشاه، يعني أصحاب الشطرنج.
وأخرج ابن أبي الدنيا عن أبي جعفر أنه سئل عن الشطرنج، فقال تلك المجوسية فلا تلعبوا بها.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، عن أبي موسى الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من لعب بالنردشير فقد عصى الله ورسوله».
وأخرج أحمد عن عبد الرحيم الخطمي، سمعت رسول الله يقول: «مثل الذي يلعب بالنرد ثم يقوم فيصلي مثل الذي يتوضأ بالقيح ودم الخنزير ثم يقوم فيصلي».
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا عن عبد الله بن عمر قال: اللاعب بالنرد قماراً كآكل لحم الخنزير، واللاعب بها من غير قمار كالمدّهن بودك الخنزير.
وأخرج ابن أبي الدنيا، عن يحيى بن كثير قال: مرّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقوم يلعبون بالنرد فقال: «قلوب لاهية وأيدي عليلة وألسنة لاغية».
وأخرج عبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ، عن قتادة قال: الميسر القمار.
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن أبي الدنيا، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ، من طريق ليث عن عطاء وطاوس، ومجاهد قالوا: كل شيء فيه قمار، فهو من الميسر، حتى لعب الصبيان بالجوز والكعاب.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ عن ابن سيرين قال: القمار من الميسر.
وأخرج ابن أبي الدنيا، وأبو الشيخ، عنه قال: ما كان من لعب فيه قمار، أو قيام أو صياح، أو شرّ، فهو من الميسر.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن يزيد بن شريح، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ثلاث من الميسر: الصفير بالحمام، والقمار، والضرب بالكعاب».
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الأنصاب حجارة كانوا يذبحون لها، والأزلام: قداح كانوا يستقسمون بها الأمور.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كانت لهم حصيات إذا أراد أحدهم أن يغزو أو يجلس استقسم بها.
وأخرج ابن المنذر عن مجاهد في الأزلام قال: هي كعاب فارس التي يقتمرون بها، وسهام العرب.
وقد وردت أحاديث كثيرة في ذمّ الخمر وشاربها، والوعيد الشديد عليها، وأن كل مسكر حرام، وهي مدوّنة في كتب الحديث، فلا نطوّل المقام بذكرها، فلسنا بصدد ذلك، بل نحن بصدد ما هو متعلق بالتفسير.

.تفسير الآيات (94- 99):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللَّهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللَّهُ مِنْهُ وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96) جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (97) اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وَأَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (98) مَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (99)}
قوله: {لَيَبْلُوَنَّكُمُ} أي ليختبرنكم، واللام جواب قسم محذوف، كان الصيد أحد معايش العرب فابتلاهم الله بتحريمه مع الإحرام وفي الحرم، كما ابتلى بني إسرائيل أن لا يعتدوا في السبت، وكان نزول الآية في عام الحديبية، أحرم بعضهم وبعضهم لم يحرم، فكان إذا عرض صيدهم اختلفت فيه أحوالهم.
وقد اختلف العلماء في المخاطبين بهذه الآية، هل هم المحلون أو المحرمون؟ فذهب إلى الأوّل: مالك وإلى الثاني: ابن عباس، والراجح أن الخطاب للجميع، ولا وجه لقصره على البعض دون البعض، و{من} في {مّنَ الصيد} للتبعيض وهو صيد البر، قاله ابن جرير الطبري وغيره؛ وقيل: إن {من} بيانية أي شيء حقير من الصيد، وتنكير {شيء} للتحقير. قوله: {تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ ورماحكم} قرأ ابن وثاب: {يناله} بالياء التحتية، هذه الجملة تقتضي تعميم الصيد، وأنه لا فرق بين ما يؤخذ باليد، وهو ما لا يطيق الفرار كالصغار والبيض، وبين ما تناله الرماح: وهو ما يطيق الفرار، وخصّ الأيدي بالذكر لأنها أكثر ما يتصرّف به الصائد في أخذ الصيد، وخص الرماح بالذكر؛ لأنها أعظم الآلات للصيد عند العرب. قوله: {لِيَعْلَمَ الله مَن يَخَافُهُ بالغيب} أي: ليتميز عند الله من يخافه منكم بسبب عقابه الأخروي فإنه غائب عنكم غير حاضر، {فَمَنِ اعتدى بَعْدَ ذلك فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي بعد هذا البيان الذي امتحنكم الله به، لأن الاعتداء بعد العلم بالتحريم معاندة لله سبحانه وتجرئة عليه.
قوله: {لاَ تَقْتُلُواْ الصيد وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: 1] نهاهم عن قتل الصيد في حال الإحرام، وفي معناه {غَيْرَ مُحِلّى الصيد وَأَنتُمْ حُرُمٌ} وهذا النهي شامل لكل أحد من ذكور المسلمين وإناثهم، لأنه يقال رجل حرام وامرأة حرام والجمع حرم، وأحرم الرجل: دخل في الحرم. قوله: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً} المتعمد: هو القاصد للشيء مع العلم بالإحرام، والمخطئ: هو الذي يقصد شيئاً فيصيب صيداً، والناسي: هو الذي يتعمد الصيد ولا يذكر إحرامه.
وقد استدل ابن عباس، وأحمد في رواية، وداود عنه باقتصاره سبحانه على العامد بأنه لا كفارة على غيره، بل لا تجب إلا عليه وحده. وبه قال سعيد بن جبير، وطاوس، وأبو ثور. وقيل: إنها تلزم الكفارة المخطئ والناسي كما تلزم المتعمد، وجعلوا قيد التعمد خارجاً مخرج الغالب، روي عن عمر، والحسن، والنخعي، والزهري، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة وأصحابهم، وروي عن ابن عباس. وقيل: إنه يجب التكفير على العامد الناسي لإحرامه، وبه قال مجاهد، قال: فإن كان ذاكراً لإحرامه فقد حلّ، ولا حج له، لارتكابه محظور إحرامه، فبطل عليه كما لو تكلم في الصلاة أو أحدث فيها.
قوله: {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} أي فعليه جزاء مماثل لما قتله، و{من النعم} بيان للجزاء المماثل. قيل: المراد المماثلة في القيمة، وقيل: في الخلقة.
وقد ذهب إلى الأوّل: أبو حنيفة، وذهب إلى الثاني: مالك والشافعي وأحمد والجمهور، وهو الحق لأن البيان المماثل للنعم يفيد ذلك، وكذلك يفيده هدياً بالغ الكعبة.
وروي عن أبي حنيفة أنه يجوز إخراج القيمة ولو وجد المثل، وأن المحرم مخير. وقرئ: {فَجَزَاؤُهُ مّثْلُ مَا قَتَلَ} وقرئ: {فَجَزَاء مّثْلُ} على إضافة جزاء إلى مثل، وقرئ بنصبهما على تقدير فليخرج جزاء مثل ما قتل، وقرأ الحسن {النعم} بسكون العين تخفيفاً. {يَحْكُمُ بِهِ} أي بالجزاء أو بمثل ما قتل {ذَوَا عَدْلٍ مّنْكُمْ} أي رجلان معروفان بالعدالة بين المسلمين، فإذا حكما بشيء لزم، وإن اختلفا رجع إلى غيرهما، ولا يجوز أن يكون الجاني أحد الحكمين وقيل يجوز، وبالأوّل قال أبو حنيفة، وبالثاني قال الشافعي في أحد قوليه: وظاهر الآية يقتضي حكمين غير الجاني.
قوله: {هَدْياً بالغ الكعبة} نصب هدياً على الحال، أو البدل من {مثل} و{بالغ الكعبة} صفة لهدياً؛ لأن الإضافة غير حقيقية، والمعنى: أنهما إذا حكما بالجزاء فإنه يفعل به ما يفعل بالهدي من الإرسال إلى مكة والنحر هنالك، والإشعار والتقليد، ولم يرد الكعبة بعينها، فإن الهدي لا يبلغها، وإنما أراد الحرم، ولا خلاف في هذا. قوله: {أَوْ كَفَّارَةٌ} معطوف على محل من النعم: وهو الرفع لأنه خبر مبتدأ محذوف، و{طَعَامُ مساكين} عطف بيان لكفارة، أو بدل منه، أو خبر مبتدأ محذوف {أَو عَدْلُ ذلك} معطوف على طعام. وقيل هو معطوف على جزاء، وفيه ضعف، فالجاني مخير بين هذه الأنواع المذكورة، وعدل الشيء ما عادله من غير جنسه، و{صِيَاماً} منصوب على التمييز، وقد قرّر العلماء عدل كل صيد من الإطعام والصيام، وقد ذهب إلى أن الجاني يخير بين الأنواع المذكورة جمهور العلماء.
وروي عن ابن عباس أنه لا يجزئ المحرم الإطعام والصوم إلا إذا لم يجد الهدي. والعدل بفتح العين وكسرها لغتان، وهما الميل قاله الكسائي.
وقال الفراء: عدل الشيء بكسر العين مثله من جنسه، وبفتح العين مثله من غير جنسه، وبمثل قول الكسائي قال البصريون.
قوله: {لّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ} عليه لإيجاب الجزاء: أي أوجبنا ذلك عليه ليذوق وبال أمره، والذوق مستعار لإدراك المشقة، ومثله: {ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ العزيز الكريم} [الدخان: 49] والوبال: سوء العاقبة، والمرعى الوبيل: الذي يتأذى به بعد أكله، وطعام وبيل: إذا كان ثقيلاً. قوله: {عَفَا الله عَمَّا سَلَف} يعني في جاهليتكم من قتلكم للصيد. وقيل عما سلف قبل نزول الكفارة {وَمَنْ عَادَ} إلى ما نهيتم عنه من قتل الصيد بعد هذا البيان {فَيَنْتَقِمُ الله مِنْهُ} خبر مبتدأ محذوف؛ أي فهو ينتقم الله منه.
وقيل المعنى: إن الله ينتقم منه في الآخرة فيعذبه بذنبه. وقيل: ينتقم منه بالكفارة. قال شريح وسعيد بن جبير: يحكم عليه في أوّل مرة، فإذا عاد لم يحكم عليه بل يقال له: اذهب ينتقم الله منك: أي ذنبك أعظم من أن يكفر.
قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر} الخطاب لكل مسلم أو للمحرمين خاصة، وصيد البحر ما يصاد فيه؛ والمراد بالبحر هنا كل ماء يوجد فيه صيد بحريّ وإن كان نهراً أو غديراً. قوله: {وَطَعَامُهُ متاعا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ} الطعام لكل ما يطعم، وقد تقدّم.
وقد اختلف في المراد به هنا فقيل: هو ما قذف به البحر وطفا عليه، وبه قال كثير من الصحابة والتابعين؛ وقيل طعامه ما ملح منه وبقي، وبه قال جماعة، وروي عن ابن عباس؛ وقيل طعامه ملحه الذي ينعقد من مائه وسائر ما فيه من نبات وغيره، وبه قال قوم. وقيل المراد به ما يطعم من الصيد: أي ما يحل أكله وهو السمك فقط، وبه قالت الحنفية. والمعنى: أحلّ لكم الانتفاع بجميع ما يصاد في البحر، وأحلّ لكم المأكول منه وهو السمك، فيكون التخصيص بعد التعميم، وهو تكلف لا وجه له، ونصب {متاعاً} على أنه مصدر: أي متعتم به متاعاً، وقيل: مفعول له مختص بالطعام: أي أحلّ لكم طعام البحر متاعاً، وهو تكلف جاء به من قال بالقول الأخير، بل إذا كان مفعولاً له كان من الجميع، أي أحلّ لكم مصيد البحر وطعامه تمتيعاً لكم، أي لمن كان مقيماً منكم يأكله طرياً {وَلِلسَّيَّارَةِ} أي المسافرين منكم يتزوّدونه ويجعلونه قديداً، وقيل السيارة: هم الذين يركبونه خاصة.
قوله: {وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر مَا دُمْتُمْ حُرُماً} أي حرّم عليكم ما يصاد في البر ما دمتم محرمين، وظاهره تحريم صيده على المحرم ولو كان الصائد حلالاً، وإليه ذهب الجمهور إن كان الحلال صاده للمحرم لا إذا لم يصده لأجله، وهو القول الراجح، وبه يجمع بين الأحاديث؛ وقيل إنه يحلّ له مطلقاً، وإليه ذهب جماعة: وقيل يحرم عليه مطلقاً، وإليه ذهب آخرون، وقد بسطنا هذا في شرحنا للمنتقى. قوله: {واتقوا الله الذي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} أي اتقوا الله فيما نهاكم عنه. {الذي إليه تحشرون} لا إلى غيره، وفيه تشديد ومبالغة في التحذير. وقرئ: {وَحُرّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ البر} بالبناء للفاعل وقرئ: {مَا دُمْتُمْ} بكسر الدال.
قوله: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لّلنَّاسِ} جعل هنا بمعنى خلق، وسميت الكعبة كعبة لأنها مربعة، والتكعيب التربيع، وأكثر بيوت العرب مدورة لا مربعة؛ وقيل سميت كعبة لنتوئها وبروزها، وكل بارز كعب مستديراً كان أو غير مستدير، ومنه كعب القدم، وكعوب القنا، وكعب ثدي المرأة، و{البيت الحرام} عطف بيان، وقيل: مفعول ثان ولا وجه له، وسمي بيتاً؛ لأن له سقوفاً وجدراً وهي حقيقة البيت، وإن لم يكن به ساكن، وسمي حراماً لتحريم الله سبحانه إياه.
وقوله: {قِيَاماً لّلنَّاسِ} كذا قرأ الجمهور، وقرأ ابن عامر {قَيِّماً} وهو منصوب على أنه المفعول الثاني إن كان جعل هو المتعدي إلى مفعولين، وإن كان بمعنى خلق كما تقدّم، فهو منتصب على الحال، ومعنى كونه قياماً: أنه مدار لمعاشهم ودينهم: أي يقومون فيه بما يصلح دينهم ودنياهم: يأمن فيه خائفهم، وينصر فيه ضعيفهم، ويربح فيه تجارهم، ويتعبد فيه متعبدهم.
قوله: {والشهر الحرام} عطف على الكعبة، وهو ذو الحجة، وخصه من بين الأشهر الحرم؛ لكونه زمان تأدية الحج، وقيل: هو اسم جنس. والمراد به: الأشهر الحرم، ذو القعدة، وذو الحجة، ومحرّم، ورجب، فإنهم كانوا لا يطلبون فيها دماً، ولا يقاتلون بها عدواً، ولا يهتكون فيها حرمة، فكانت من هذه الحيثية قياماً للناس {والهدى والقلائد} أي وجعل الله الهدي والقلائد قياماً للناس. والمراد بالقلائد: ذوات القلائد من الهدي، ولا مانع من أن يراد بالقلائد أنفسها، والإشارة بذلك إلى الجعل أي ذلك الجعل {لِتَعْلَمُواْ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا في السموات وَمَا فِي الأرض} أي لتعلموا أن الله يعلم تفاصيل أمر السموات والأرض، ويعلم مصالحكم الدينية والدنيوية فإنها من جملة ما فيهما، فكل ما شرعه لكم فهو جلب لمصالحكم، ودفع لما يضرّكم {وَأَنَّ الله بِكُلّ شَئ عَلِيمٌ} هذا تعميم بعد التخصيص، ثم أمرهم بأن يعلموا بأن الله لمن انتهك محارمه ولم يتب عن ذلك شديد العقاب، وأنه لمن تاب وأناب غفور رحيم، ثم أخبرهم أن ما على رسوله إلا البلاغ لهم، فإن لم يمتثلوا ويطيعوا فما ضرّوا إلا أنفسهم، وما جنوا إلا عليها، وأما الرسول عليه الصلاة والسلام فقد فعل ما يجب عليه، وقام بما أمره الله به.
وقد أخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، والبيهقي في سننه، عن ابن عباس في قوله: {وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمّداً} قال: إن قتله متعمداً أو ناسياً أو خطأ حكم عليه، فإن عاد متعمداً عجلت له العقوبة إلا أن يعفو الله عنه، وفي قوله: {فَجَزَاء مّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النعم} قال: إذا قتل المحرم شيئاً من الصيد حكم عليه فيه، فإن قتل ظبياً أو نحوه فعليه شاة تذبح بمكة، فإن لم يجد فإطعام ستة مساكين، فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام، فإن قتل أيلاً ونحوه فعليه بقرة، فإن لم يجد أطعم عشرين مسكيناً، فإن لم يجد صام عشرين يوماً، وإن قتل نعامة أو حمار وحش أو نحوه فعليه بدنة، فإن لم يجد أطعم ستين مسكيناً، فإن لم يجد صام ثلاثين يوماً، والطعام مدّ يشبعهم.
وأخرج ابن أبي شيبة وابن أبي حاتم، عن الحكم، أن عمر كتب أن يحكم عليه في الخطأ والعمد.
وأخرجا نحوه عن عطاء.
وقد روي نحو هذا عن جماعات من السلف، من غير فرق بين العامد والخاطئ والناسي، وروي عن آخرين اختصاص ذلك بالعامد. وللسلف في تقدير الجزاء المماثل، وتقدير القيمة أقوال مبسوطة في مواطنها.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي هريرة عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال في بيضة النعام: «صيام يوم أو إطعام مسكين».
وأخرج ابن أبي شيبة عن عبد الله بن ذكوان، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم مثله.
وأخرج أيضاً عن عائشة، عنه صلى الله عليه وسلم نحوه.
وأخرج أبو الشيخ، وابن مردويه، من طريق أبي المهزّم عن أبي هريرة، عن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال: «في بيض النعام ثمنه» وقد استثنى النبي صلى الله عليه وسلم من حيوانات الحرم الخمس الفواسق، كما ورد ذلك في الأحاديث فإنه يجوز للمحرم أن يقتلها ولا شيء عليه.
وأخرج ابن جرير، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ متاعا لَّكُمْ} «ما لفظه ميتاً فهو طعامه».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن أبي هريرة موقوفاً مثله.
وأخرج أبو الشيخ، عن أبي بكر الصدّيق نحوه.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي حاتم، وأبو الشيخ عن عكرمة أن أبا بكر الصدّيق قال في قوله: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ البحر وَطَعَامُهُ} قال: صيد البحر ما تصطاده أيدينا، وطعامه مالاثه البحر، وفي لفظ {طعامه كل ما فيه}. وفي لفظ {طعامه ميتته}. ويؤيد هذا ما في الصحيحين من حديث العنبرة التي ألقاها البحر فأكل الصحابة منها، وقرّرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، وحديث هو: «الطهور ماؤه والحل ميتته» وحديث: «أحلّ لكم ميتتان ودمان».
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن ابن عباس في قوله: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لّلنَّاسِ} قال: قياماً لدينهم ومعالم حجهم.
وأخرج ابن جرير، عنه قال: قيامها أن يأمن من توجه إليها.
وأخرج ابن أبي حاتم، عن ابن شهاب قال: جعل الله الكعبة البيت الحرام والشهر الحرام قياماً للناس يأمنون به في الجاهلية الأولى، لا يخاف بعضهم من بعض حين يلقونهم عند البيت، أو في الحرم، أو في الشهر الحرام.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وأبو الشيخ، عن قتادة في قوله: {جَعَلَ الله الكعبة البيت الحرام قِيَاماً لّلنَّاسِ والشهر الحرام والهدى والقلائد} قال: حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية، فكان الرجل لو جرّ كل جريرة ثم لجأ إلى الحرم لم يتناول ولم يقرب، وكان الرجل لو لقي قاتل أبيه في الشهر الحرام، لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل لو لقي الهدي مقلداً وهو يأكل العصب من الجوع لم يعرض له ولم يقربه، وكان الرجل إذا أراد البيت تقلد قلادة من شعر، فحمته ومنعته من الناس، وكان إذا نفر تقلد قلادة من الأذخر أو من السمر، فتمنعه من الناس حتى يأتي أهله حواجز أبقاها الله بين الناس في الجاهلية.
وأخرج أبو الشيخ، عن زيد بن أسلم {قِيَاماً لّلنَّاسِ} قال أمنا.